أثيرت في شهر شباط/ فبراير الحالي في الكيان الصهيوني قضية قبيلة "بني منشيه" (Bnei Menashe) من جديد، وهي قبيلة هندية انتقل عدد كبير من أفرادها إلى الكيان الصهيوني خلال السنوات القليلة الماضية وحازوا على الجنسية الإسرائيلية فور وصولهم ونالوا كافة التسهيلات التي ينالها المهاجرون اليهود وفق القانون الإسرائيلي.
و"قانون العودة" الإسرائيلي الصادر عام 1950 يعطي يهود العالم حق الهجرة إلى "إسرائيل" ونيل جنسيتها مع تكفل السلطات بتسهيل هجرتهم، والقانون يسري على من ولدوا من أم يهودية إلا أنه جرى تعديل على القانون عام 1970 ليسمح لمن يتم تعريفهم بأنهم من "بذور إسرائيل" (Seed Of Israel) بالهجرة والحصول على الجنسية الإسرائيلية، والمقصود بهذا التعريف هم من يثبت بالدليل أن نسبهم يتصل بأجداد يهود ولو منذ أجيال بعيدة.
في العام 2012 اتخذت حكومة نتنياهو قراراً غير مسبوق بالسماح لأعداد كبيرة من غير اليهود – بحسب التعريف الشرعي لديهم – بالهجرة إلى فلسطين وتحويلهم إلى الديانة اليهودية فور وصولهم. وفي العام التالي اتخذت حكومة نتنياهو قراراً آخر سمح لأعداد أكبر بالهجرة، ليصبح عدد أفراد قبيلة "بني منشيه" الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية ويعيشون في فلسطين أكثر من 2500 شخص.
صحيفة هآرتس أثارت الشبهات حول العملية منتصف شباط/فبراير الحالي حينما بحثت عن القرارات والفتاوى التي أعطت "بني منشيه" صفة "بذور إسرائيل" وسمحت بتدفق المئات منهم إلى الكيان، ومن المتوقع أن تشمل الخطة أكثر من 7000 شخص خلال بضع سنوات.
عملية "منشيه" كما يطلق عليها استندت لفتوى للحاخام الأكبر السابق لليهود الشرقيين (السفارديم) شلومو عمار، أصدرها عام 2005 واعتبرت بني منشيه من "بذور إسرائيل"، وقد تم تصوير المسألة في الإعلام حينها وكأنها عودة إحدى القبائل الإسرائيلية التائهة مند عهد الآشوريين قبل أكثر من 27 قرناً.
ومع ذلك فإن الحكومة الإسرائيلية التي ترأسها آريل شارون لم تفسح المجال لقبيلة بني منشيه للهجرة إلى الكيان الصهيوني، ولكن مايكل فروند مؤسس منظمة "شافي إسرائيل" (Shavei Israel)هو من أقنع حكومة نتنياهو لاحقاً بفتح الباب لهجرتهم وتم تكليف منظمته بترتيب إجراءات وتسهيلات استقدامهم وتهويدهم وتوطنيهم في فلسطين، بخلاف ما جرت عليه العادة وهو تكليف الوكالة اليهودية بمثل هذه المهمات.
مايكل فروند.. مؤسس منظمة (شافي إسرائيل)
صحيفة هآرتس كشفت عن وثيقة من وزارة الداخلية تقول بأن فتوى الحاخام شلومو عمار تنص بشكل قاطع، وبعكس ما نشر، على أن قبيلة بني منشيه ليسوا من "بذور إسرائيل"، وأن ليس هناك إثبات بأن أصولهم يهودية، وبعد مراجعة الحاخام عمار من قبل الصحيفة أكد أنه في فتواه اعتبرهم ليسوا من "بذور إسرائيل"، ولكنه أشار إلى أن هناك ألفة اجتماعية بين "بني مونشيه" وبين الشعب اليهودي وتقارباً في العادات والتقاليد.. رغم أن فحوصات الـ DNA التي أجريت لأفراد القبيلة لم تعط أي دليل على أن أصولهم تعود لمنطقة الشرق الأوسط.
إذن من هو المسؤول عن اتخاذ هذا القرار؟! أو عن هذا التضليل المنسوب لفتوى الحاخام عمار؟! تضيع الإجابة بين وزارة الداخلية ومنظمة "تشافي إسرائيل" واللجنة المكلفة من الكنيست ولا يمكن الحصول على جواب حاسم.. حتى الحاخام عمار، عندما تمت مراجعته من قبل الصحيفة وسؤاله عن سبب عدم تصويبه لقرار الحكومة أو توضيح فتواه على الأقل، أجاب بالقول: لسنا مسؤولين عما يكتبونه، وليست مهمتنا التحدث باسمهم أو تصحيح أخطائهم.
الشيء الأكيد أن تصريحات مايكل فروند مؤسس منظمة (شافي إسرائيل) واضحة الدلالة لحاجة الكيان إلى أي طريقة "إبداعية" لجلب المزيد من المهاجرين وتهويدهم لضمان استمرار يهودية الدولة، لأن الخطر الديمغرافي داهم من وجهة نظره، ويبدو أنه لا مانع عنده أن يكون هذا الإبداع عملية تدليس وتزوير.
لم يكن فيما كتبه المؤرخ الإسرائيلي شلومو ساند في كتابه (اختراع الشعب اليهودي) مبالغة حينما ذكر أن هناك طبقة من المجددين البارعين للماضي تقوم باقتطاف شظايا ذاكرة دينية يهودية ومسيحية ليستخرجوا منها بواسطة خيال خصب شجرة نسب متواصلة للشعب اليهودي، وليس مثال "بني منشيه" إلا شاهداً حديثاً على هذا التزوير في النسب لتشريع الاستيلاء على أرض فلسطين على حساب شعبها القابع في الشتات.
غلاف كتاب (اختراع الشعب اليهودي)
ياسر قدورة
المدير العام لمؤسسة هوية