غزة - محمد المنيراوي
"زوّجني أختك.. أزوّجكَ أختي".. هكذا كانت بداية الحكاية، فالعشرينيّ "أيمن" شابٌّ تجمّعت فيه صفات الخلق الحسن، والأصل الطيّب، والورع والتقوى.. فلم يجد –حسب الطلب- سوى أخت صديقه "نضال"، إذ توفّر فيها العلم والخلق والدين.. ناهيكم عما وصفته له أمه "بالعموم" من جمالٍ ودلال.. طبعاً، كان لا بدّ وقبل مفاتحة والد الفتاة بالأمر –ومن باب الذوق- أن يخبر أيمن صديق عمره نضال.. لكن الأخير، كان ردّه ما سبَقْ..
فكّر أيمن مليّاً، فوجد أن لا بأس إن أقنع أخته (ابنة الخمسة عشر ربيعاً) بترك التعليم وقبول صديقه، وهي بكل تأكيد "لن تقف حجر عثرةٍ في طريق سعادة أخيها".. وبالفعل تمّ لـ "أيمن" ما أراد.. وتزوّج أخت صديقه "مبادلةً" مع أخته التي أخذها الثاني في اليوم ذاته.. ومضت الأيام..
وبدأت بعد الشهر الأوّل المشاكل تعصف بحياة "نضال" وسميّة الصغيرة.. ضرَبها، وأهانها، وأرسلَ بها أكثر من مرّةٍ إلى بيت أهلها، وطوال ذلك الوقت، كان ثمنُ كلِّ "صفعة" على وجهها، صفعةٌ مماثلة على وجه أخت زوجها (التي هي بطبيعة الحال زوجة أخيها).. وصارت الأيام سنين.. وصار لكلٍ من الطرفين عائلة يفخر بها...
ولكن.. العصبية الشديدة التي اتّصفَ بها "نضال"، كانت سبباً في أن يتفوّه بـ "طلقةٍ ثالثة" على زوجته، إثر خلافٍ بسيطٍ دبّ بينهما.. وكما جرت العادة، كان نصيب أخته "طلقة ثالثةٌ كذلك" من فم زوجها الذي ثأر لكرامة أخته.. وهكذا انفرط عقدٌ جمع أسرتين بسبب شدٍّ أصابه في إحدى طرفيه، دون أن يملك الطرف الآخر حيلةً أو أن يكون له ذنب.. وتاه الأولاد في غمره بعد الآباء.. والسبب زواج "البدل"!!
80 حالة طلاق في "يوم"!
أعتقد أنك تظنّ قارئنا العزيز، أن القصة السابق ذكرها ليست سوى حدث صار وانتهى في عهدٍ مضت أيامه.. لكنني أستطيع أن أرى الآن تعابير وجهك حين أخبرك أن هذا الطلاق "وقع قبل عدة أيامٍ فقط"!!
نعم.. لا زالت هناك أسرٌ تزوّج بناتها "بالبدل"!! ولا يسرّني هنا أن أخبرك عزيزي أن التاريخ الفلسطيني يذكر شجاراً دبّ بين عائلتين كبيرتين من عائلات القطاع قبل أعوام، لسببٍ تافه، طمسَ معالم عشرات الأسر التي بزغ طيفها في أبهى الصور أمام الأسر الأخرى والتي لم يشبها أي خلاف من قبل نتيجة العلاقات المتينة فيما بينها.. حيث بلغ عدد المنفصلين من العائلتين 80 زوجة و80 زوجاً كانوا قد زُوِّجوا بالطريقة ذاتها "البدل".. ناهيك عن الجرحى والقتلى الذين راحوا ضحيّة الخلاف!!!
ويتخوف أحد أفراد العائلة –كما أخبر "فلسطين"- من أن تعيد الأيام تلك الكارثة وتصبح العائلتان أشد تفككاً وبؤساً، غير متورع عن الإعلان بأن العائلتين أصبحتا تدرسان "الزواج من بعيد" –غير البدل- لتفادي ما ينجم عن مشكلة لم تكن متوقعة في المستقبل..
"فلسطين" عايشت حياة أزواج تزاوجوا بـ"البدل"، وتقاسمت "العيش والملح" معهم لتستكشف الحقيقة الصعبة في حياة معظمهم- إلا من رحم ربي- "والتي تستمر كقنبلة موقوتة.. تنفجر دونما سابق إنذار".. وتبقى رهينةً لخلافات زوجين من أربعة.. القاسم المشترك بينهما "شقيقة كل زوج منهما" تبادلاها في "زيجةٍ" أعلن قاضي المحكمة صلاحها، التقرير التالي يحمل التفاصيل:
قصة نجاح
وكان من المصداقيّة هنا، أن ننوّه عزيزي القارئ أن زواج "البدل" لا يحكم عليه بالفشل دوماً، فالمهندس إبراهيم أبو سعدة المتزوج من ابنة عمه "زواج بدل" قبل نحو 20 عاماً، يرى أن "زواج البدل" كأي زواج آخر، فيه من المميزات الكثيرة إذا تفهم الزوج معنى الحياة وأراد أن يعيش مرتاح البال مع "رفيقة عمره" على مر السنين.
ويعتبر المهندس أبو سعدة أن الفشل الكبير في "زواج البدل" يرجع إلى عدم تحييد أحد الطرفين زوجته من خلافات الطرف الآخر، وتعودهم على الانتقام واسترداد "كرامتهم المزعومة" لأخت كل واحد منهما، الأمر الذي يدمر أخيراً عش بيتيهما معاً.
ويوضح أنه وصل الحد بشقيقته المتزوجة مع ابن عمه في "زواج البدل" إلى أن طُلقت منه نتيجة خلافات عقيمة، إلا أنه بقي هو متمسك بزوجته التي لطالما كان يجنبها ويلات ما يحدث من خلافات في بيت زوج شقيقته؛ حفاظاً على نسيج أسرته وعدم تحميل من لا ذنب لها –زوجته- وزر خطأ شقيقها، مشيراً إلى أن علاقته بزوجته طيبة ولم يُذكر أنه في يوم من الأيام قد أهان زوجته.
زواج فاشل..!
سلسلة لقاءاتنا جمعتنا كذلك بالسيدة "سعاد" (42 عاما) التي تزوجت "زواج بدل" وهي تبلغ من العمر "واحد وعشرين عاماً" دون قبولها بالعريس الذي تقدم لخطبتها، إلا أن إصرار والدها عليها بالزواج مقابل أن تُزوج الأسرة الأخرى ابنتها لشقيق "سعاد" أجبرها أخيراً على الموافقة نظراً لضيق ذات اليد وحالتهم الميسورة التي أجبرتهم على أن يجدوا في "زواج البدل" ضالتهم.
وتوضح "سعاد" أن أسرتها وأسرة زوجها اتفقا يومها على مهر وحقوق الزوجة بأكملها، لكنها كانت "حبراً على ورق"، فنتيجة ضيق الحال ذهب كل واحد منهما إلى توفير تكاليف الزواج لابنته لوحده، وتم الزواج في عرس مشترك وفي صالة واحدة.
وترى السيدة "سعاد" أن "زواج البدل" زواج "فاشل" عيوبه تطغى على حسناته، حيث تشعر أن مصير حياتها الاجتماعية والأسرية مع زوجها مرتبط بشكل كلي مع أسرة شقيقة زوجها بكل صغيرة وكبيرة.
وتقول:" علاقتي مع زوجتي علاقة ودودة وطيبة إلى أبعد الحدود، لكن ما يعكر صفونا هو زواج البدل الذي لطالما أشعر نتيجته أن حياتي الزوجية مرهونة ببيت أخي المتزوج من شقيقة زوجي، فحين تحدث المشكلات في بيته فإنها تتكرر نفسها في بيتنا، ويصبح زوجي يعايرني بأخطاء أخي مع شقيقته، وعادة ما تنقلب حياتنا نكداً بعد الصفاء نتيجة خلافات زوجين منا"، مقدمة النصح للشباب والفتيات بـ"عدم الاقتراب من زواج البدل"، حسب قولها.
لِيستردّ كرامَة أخته!
أما الشاب "سمير" الذي تزوج قبل نحو سبع سنوات من عائلةٍ ثرية كما حال أسرته، في "زواجِ بدلٍ".. أنجب خلالها ثلاثة أبناء لم يشفعوا لأمهم من "طلاق حتمي" كان الخيار الأول والأخير لاسترداد كرامة شقيقته –كما يقول- التي أُعطيت "تبادلاً" لشاب من عائلة ليست ذات قرابة مع عائلته، والذي طلقها هو الآخر بعد خلافات عقيمة.. لتتهتك أخيراً أنسجة أسرتين من أجل "خلاف وضيع".
ويسترجع "سمير" بدايات "زيجته" تلك منذ أن أتم يومها العام الثالث والعشرين وأشار عليه والده بالزواج من ابنة صاحب له ذي أخلاق حميدة، لم يكن أمام الشاب العشريني إلا الموافقة.. أما الطرف الآخر فحين الاتفاق اشترطوا أن يأخذوا هم كذلك شقيقة "سمير" لابنهم البكر في سبيل بناء علاقة جيدة بين العائلتين.
اتفق الطرفان على "زيجة بدل" بينهما مع إتاحة الحرية الكاملة لأن يطلب كل منهما مهر ابنته الذي يريد، والذي لم يفُقْ يومها الـ"1500 دينار" غير "1000 دينار" مؤخر مع عفش بيت بـ"شكل رمزي" لكلا الطرفين.
وفي خضم الأيام بدأت المشاكل تطفو على حياة شقيقة "سمير" في بيت زوجها.. وأصبحت المشاكل لا تفارق بيتها مع زوجها لـ"أسبابٍ تافهة" تُطرد على إثرها إلى بيت أسرة "سمير" وهي "طالق"، وفي المقابل يعيد "سمير" الكرّة بزوجته عقاباً لزوج شقيقته رغم علاقتهما الحميدة.
ومع مرور الأيام أودت الخلافات في بيت شقيقة "سمير" إلى أن طلقها زوجها الطلقة الأخيرة والتي لا تراجع بعدها، الأمر الذي أغضب الشاب "سمير" وأشعره بأن ذلك انتقاص من شرف وكرامة عائلته وأخته، ليرمي هو الآخر يمين الطلاق الأخير على زوجته.. ويفارق الأمل أسرتين كانتا في يوم من الأيام من أجمل ما يكون.
وينصح الشاب "سمير" الشباب والفتيات المقبلين على الزواج بـ"ألا يقتربوا من زواج البدل"، وأن يكون شعارهم في الحياة "ابعد تحلى"، خوفاًً من أيام تخون العشرة و"العيش والملح" في علاقات أسر لم يكن للخلافات فيها نصيب..
ليست مسألة تجارية..!
عميد كلية الشريعة والقانون في الجامعة الإسلامية بغزة د.ماهر الحولي، أكد أن الشريعة الإسلامية حثت على الزواج واعتبرته آية من آيات الله عز وجل كونه يلبي الرغبة الجنسية لدى الجنسين المتوافقة بفطرة العقل كذلك، ضمن ضوابط شرعية تضمن الاستقرار والسكن النفسي والمادي للزوجين.
وأوضح لـ"فلسطين" أن الأصل في "زواج البدل" أن يكون قائماً على الرضا من الفتاة دون إكراهها على الزواج من شخص على الإطلاق لكي لا يكون سبباً في فسخ عقد النكاح وعدم صحته، مع وجود مهر مستقل لها إلى جانب كافة المتطلبات الزوجية، مشيراً إلى أن "زواج البدل" صورة من الصور الشائعة في المجتمع الفلسطيني والتي لا يوجد في أيٍّ منها أيّ مخالفة شرعية.
وحول ما يحصل من إكراه للفتاة في "زواج البدل"، قال:" لابد للفتاة إذا أكرهت على الزواج أن تتمتع بالجرأة والشجاعة لتقرير حقها برفض الزواج أمام القاضي وتبيين أنها أُكرهت على ذلك لكي لا يجري عقد الزواج".
تحكيم الوازع الديني
وعلق على توجه بعض الناس إلى "زواج البدل" وفق نظرية "واحدة مقابل واحدة"، بالتأكيد أن هذا التوجه من ضمن الفهم الخاطئ الذي يجب أن يُحارب ويُوضّح للناس، مشدداً على أنه لابد في "زواج البدل" أن يكون لكل فتاة مهرها الخاص وإن كان متفاوتاً، وبيتها الخاص وحقوقها الكاملة، وأنه لا يجوز لأولياء الأمور أن يجعلوا "فتاة مقابل فتاة" كون ذلك يعتبر انتقاصاً من حقوقها وظلماً كبيراً لها.
وفي سياق الحديث عن سواد الخلافات في بيت إذا ما حصلت في البيت الآخر، قال د.الحولي:" لا يجوز أن يؤخذ إنسان بجريرة إنسان آخر، وإن تحميل الزوجة وزراً لا علاقة لها به نتيجة خلافات في بيت الطرف الآخر لا يجوز بأي حال من الأحوال، والأصل أن تكون الحالة المستقرة فيه مفتاحاً لإعادة اللحمة والوئام والاستقرار والصلح مع الحالة التي حصل فيها الإشكال لا أن ينتقل الإشكال إلى الحالة المستقرة".
وأكد أن تحكيم الوازع الديني عند أي طرف منهما هو صمام الأمان لحل الخلافات "لما تحمله الشريعة الإسلامية من مبادئ وأخلاق وآداب في كافة مجالات الحياة للإنسان"، داعيهم إلى اتقاء الله في أسرهم ووضع مخافته أمام أعينهم، وتحكيم وازعهم الديني وعقولهم في حل ما يواجههم من إشكالات؛ لضمان مستقبل زاهر لهم ولأبنائهم.
زواجٌ مشوبٌ بالإشكالات
من جهته، بيّن الاختصاصي التربوي والاجتماعي د.فوزي أبو عودة، أن المتزاوجين بـ"زواج البدل" غالباً ما يشوب علاقاتهم الاجتماعية الإشكالات والخلافات نتيجة انعكاس عواقبها السلبية إذا حصلت في بيت على البيت الآخر، وأن وتيرتها تزداد إذا ما كانت "زيجة البدل" بين أقارب لما تؤدي عادةً إلى إثارة المشكلات والنعرات بينهم ليس أقل من مشكلات التبادل مع عائلات ليست ذي قرابة.
وأكد د.أبو عودة لـ"فلسطين" أنه من الأفضل ألا يحدث مثل هذا الزواج لكي لا يرتبط مصير أسرة بمصير الأسرة الأخرى كما يحدث غالباً، نتيجة ميل الفطرة البشرية للانتقام من الطرف الذي يسيء لها، والذي من الممكن أن يكون في أعز ما لديه حتى وإن كانت زوجته انتقاماً لأخته واسترجاعاً لكرامته وكرامتها كما يعتقدون.
وأعاد التأكيد على أفضلية ترك "زواج البدل" لما ينتج عنه من خلافات تنعكس آثارها السلبية على الناحية الاجتماعية والنفسية للعائلتين وتؤدي إلى القطيعة التامة وتمزيق النسيج الاجتماعي بين العوائل المتبادلة، عدا عن استخدام العنف في بعضها وما لا تحمد عقباه.
وحول كيفية المحافظة على استمرار الحياة الزوجية في "زواج البدل"، أكد د.أبو عودة على ضرورة عدم ربط أي أسرة لمصيرها بمصير الأسرة الأخرى، أي بمعنى "إذا ما فشلت حياة أخت طرف من الأطراف ألا يميل بنزعته الذاتية إلى إفشال حياته وحياة رفيقة عمره"، بل يجب أن تستشعر كل أسرة أنها تعيش على حدة وأن لها كيانها الخاص والمستقل لا دخل لها بما يدور حولها من خلافات.
لك حَياتُك ولها حَياتُها
وخاطب المتزاوجين بـ"البدل" بالقول:" إذا أردت أن تحيا حياتك فلابد أن تفصل بين مشاكل زوجتك وأختك تحت عنوان لك حياتك ولها حياتها، وإذا حصل لها أي مكروه أو مشكلة اجتماعية أو نفسية لا تنعكس آثارها السلبية على حياتك وحياة زوجتك البريئة من تلك الخلافات".
وأكد د.أبو عودة أنه لو أخذ كل طرف من أطراف "زواج البدل" القيم الأخلاقية بعين الاعتبار لما سمحت لهم نفوسهم بالانتقام من إنسان لم يخطئ ولم يسيء، في إشارة إلى انتقام الرجل لأخته من زوجته.
وأضاف:" كما يجب على كل طرف إذا حصلت إساءة من طرف آخر أن يتركها له ليتحمل عواقبها بنفسه دون أن ينقلها إلى بيته، لاسيما وأن ذلك لا يجوز أخلاقياً نتيجة براءة زوجته من أي إشكال لكي يحافظ على حياته هادئة رزينة ذات مستقبل وطموح (..) أما إذا ربط أي طرف منهما حياته بطريقة جاهلة مع مصير حياة الآخر فإنه سيدمر حياته.
ورأى د. أبو عودة أن أغلب حالات "زواج البدل" كانت تجاربها "فاشلة"، وأنه إذا كانت هناك تجارب ناجحة كانت حالات "نادرة".
صحيفة فلسطين