أنا نجبية محمد قدورة، مواليد 1923- من سحماتا، أبي محمد توفيق قدورة.
كنا نعمل في سحماتا، كنا فلاحين، البلد جبلية، على طلعة وأبناء البلد متعاضضين مع بعضهم، لا يوجد أحزاب مثل اليوم. لا فرق بين المسيحيين والمسلمين في القرية.
كان فيها عيون، والبيادر بالبلد، كل بيت أو بيتين عندهم بئر، ويوجد بئر في البيدر مكان درس الحبوب والزيتون، ويوجد ينبوع تحت البلد، كانوا يحفروا 3 أمتار يطلع النبع، ويوجد عين خارج البلد بالصيف كانت تنشف، فكنا نخرج الى مكان بعيد لنملئ الماء. هذا المكان كان بين سحماتا والبقيعة إسمها طبريا، هي شلال، والبرك، كان في بركتين، في الشتاء يمتلؤون ماءاً، وبالصيف تنشف، الماء فيها تتجمع وقت الشتاء لشرب الطرش وري المزروعات (الدخان).
حولنا الدير وترشيحا والبقيعة وكفر سميح، وأهل هذه القرى كانوا يأتون عند المناسبات للمجاملة وكذلك من حُرفيش.
كان يأتي ناس من خارج القرية، يأتون لزيارتنا، وكان في بابور للطحين، فيأتي أهل الدير ليطمئنوا علينا، فيأتوا عنا ويتغدوا عنا، وكان في بابور للزيت يدرسوا فيه الزيتون عندنا.
من أهل البلد، أول البلد كان في دكانة للحاج عبد الله، وبجانبها بيوت لدار عمي حسين، ودار عمي مصطفى، ودار أبو خالد، ودار قدورة، دار عمي أحمد، دار جدي أبو محمد (توفيق العبد)، دار عمي جميل، دار عمي إبراهيم، دار محمد علي (جدو لقاسم)، وأعمامه كلهم بجانب بعض ودار عزام، دار الحاج إسماعيل.
كانت الناس تتجمع وتتناقش عند العبد علي (من زمان)، هذا الشخص عنده ديوان للبلد وهو كبير العائلة، وكان يستقبل الضيوف والغرباء، وعندما ذهب جاء جدي توفيق، وبقي الديوان موجود.
أما الجامع لم يكن حجمه كبيراً، وفي واحد مسؤول عنه يُدعى الشيخ يحي، وبعده الشيخ عبد قدورة، وكان أبوه للشيخ محمود الحبشي.
الناس عند المرض يذهبوا الى عكا، وكان في مستوصف في بلد إسمها معليا بجانب ترشيحا، كان في دكتور، إسمه خازن بعكا كنت أذهب عنده لأتحكم. وكان في عنا مدير مدرسة، كان يضع بالمدرسة قطرة للعيون، ومطّهر للجرح.
وأردكيان كان حكيم بعكان أما الداية هي حماتها للحاجة فاطمة إسمها سعدية وكنتها حمدة.
بالنسبة للأكل يوجد حمص، فول، عدس، برغل، خضار مثل فاصوليا وكوسا، كنا نزرع بين الدخان، ونحوش خضرتنا ويأتي من خارج القرية. كنا نطبخ عادي، فوارغ وكروش، في دجاج عند الناس.
نبدأ نهارنا بالعمل في البيت، تنظيف وطبخ وغسل، ثم تنزل المرأة إلى الفلاحة، وأنا عملت بالحقلة، كنت أذهب مع واحدة، الحصادة تحصد، ونحنا نأتي نحمل الغمر ونضعها على الحبلة، نربطها ونحملها ونروح، ثم نجمعهم كلها مع بعضها، نحضر ماء للفلاحين. هذا العمل على مدار الحقلة، وعند الإنتهاء منها نبدأ بالدخان، نقطف ونشك ونعلق، والنساء والرجال جانبا الى جنب. وعند تنشيفه ورصه وتحزيمه، نضعه في البيوت ثم تأتي شركة لتأخذه وتأتي السيارات ثم ينزلوا الرجال ليتحاسبوا مع الشركة، كان ثمن الدخان ليس كثيراً.
الإنجليز كانوا لا يحبون ان يروا مع الناس نقود.
أثناء العمل كان الشباب يغنون الاغاني: «شهر الحصيدة بدون شباب، لفوا به، تفرح بطق القصب ولم الزرع لصحابه».
بالنسبة للعرس، العروس إذا كان لها خال أو عم يعزم العروس قبل يوم العرس لعندهن ويأخذ لها دار عمها الحنة، ويذهبون الى بيت العزومة، ويقولون:
«ع الحنة ع الحنة يا بعد روح الحنة والعاقبة لعندكن وتفضلوا لعنا».
ويتحنى الجميع، والصبح يحمموا العروس يلبسوها.
والعريس كذلك يُعزم، يبقى عند أهله لغاية الصبح، ثم صباحاً يحمموه ويغنوا له.
«أحلق له يا حلاق بالله عليك جلخ أمواسك وخفف إيدك».
والعريس يطلعونه على الطوفة تحت الزيتون، ويأتي شابين اثنين ويحضرون للعرض ويستقبلون الزوار. ويبدأوا بالدبكة حتى العصر والعصر يحضروا المهرة ويركبوا العريس عليها يحمل ورد ومنديل مطرز ويأتي إخوته.
هاتوا هالمهرة وشدوا عليها ليجي العريس ويركب عليها
قلت للعريس يا إبن الكرام عيرني سيفك ليوم الكيواني
قال لي سيبقى حالف ما بعيروا جاي مسقط من بلاد اليمني
ثم يصلون نصف الساحة، حتى يحضروا العروس، ثم يحضرون العروس من عند أهلها:
يخلف عليكو يكتر الله خيركو ولعجبنا بالنسايب غيركو
ثم يحضروا العروس حتى المغيب، ثم يحضروا المهرة وتركب العروس، ويأتي العريس وأهله يأخذوا العروس إلى بيت عمها.
وينشدون: «مولاي صلي وسلم دائماً أبداً»
وعند الوصول عند بيت العروس، يؤذن الشيخ للعريس، ثم يدخل عند العروس.
صبحي الشعبي العبد شلفوني وديب العرب، وأبو محمد (عبد الكريم) زوج ندى، كانوا يدقون على الشبابة. ومن النساء كانت عمتي الحجة من المشهورات بالغناء في الأعراس.
جاء الإنجليز وصفوا عسكر، في مدرسة بوسط البلد، والدنيا صيف، فصفوا العسكر، وعملوا مخفر (نقطة بالبلد).
في السابق كنا نسمع بوجود الثوار، ولم يكونوا كُثر، ثم أصبح في نقطة، ونبه عليهم أنهم سوف يأكلوا من البلد، ثم جاء الثوار الى البلد، وعندما اقتربت الدبابات على البلد، بدأت الناس تصيح: غيمت.. غيمت.. لكي يهرب الثوار ويختبئوا خارج البلد، وكان أكل هؤلاء الثوار على أهالي البلد. وعندما أصبحوا كثر صار المختار يدعوهم الى الأكل.
أبي كان لحام وأخي يذبح، فكانوا يذبحون ونطبخ للثوار وعندما يختبون في الأحراش وينامون هناك، كنا نأخذ الأكل اليهم عند الصباح ليأكلوا..
وسمعنا بوعد بلفور، وهو تسليم فلسطين عامرة لليهود، كانت فلسطين أحسن من بيروت اليوم، مثل حيفا ويافا وعكا ونابلس والقدس.
وبدأ الإنجليز قصف القرى، على الخفيق، أول يوم طلعوا قصفوا فتصاوبت أم كمال وأمها أم عادل (شيخة)، وواحد أخرى بالحارة الفوقا تدعى موزة، فأخذوهم الى بنت جبيل للمعالجة لكن موزة إستشهدت لاحقاً، ونحنا كنا بالبلد في هذه الفترة. كان في بجانب البلد قاعدة فيها حسن فضة وواحد من الدير، فالديراني مات وسعيد جميل وأبو حسن تصاوبوا وأخذوهم الى بنت جبيل أيضاً.
فقالت الناس لنخرج وننام تحت الزيتون ونرى ماذا سيحصل، وعند نومنا جاءت سيارات رانجات الينا، ويقولون لنا ماذا تفعلون، أخذتكم إسرائيل أقفلت المدن ولكن لم نسمع شيء سوى قصف الطيران فقالوا لنا إذهبوا الى لبنان..
فحملوا الأولاد ومنهم من ركّب أبناءه على الدابة ومشينا الساعة الـ8 ليلاً، الى أن وصلنا الى الرميش الساعة 12 ليلاً تقريباً.
لو حارب جيش الإنقاذ لقضى على «إسرائيل» وقتها فنرلنا وارتحنا، كيف تعرف إنها كانت مؤامرة كل ما يحصل كان مدبراً.
أنا كنت مخطوبة أريد الزواج قبل النزوح، فقال أبي في سوق ببنت جبيل نريد الذهاب لنشتري ما يعجبنا فذهبنت أنا وأبي وحماتي، ونحن في الطريق سألونا أين ذاهبون؟ قلنا الى بنت جبيل ولكنكم تريدون تسريح، فأخذناه ودخلنا.
نمنا ليلة برميش، وفي ناس ثاني يوم خرجت، ثم ذهبنا ألى بنت جبيل مشياً، بقينا 8 أيام، ثم جاءت الباصات على صور (البرج)، فوجدنا لاجئين جاءوا قبلنا معهم شوادر ويطبخون وكل شي جاهز.
كل من وصل إلى هناك وجد أكله جاهزاً، بقينا 15 يوم، ثم ذهبنا الى بعلبك، ووصلنا مساءً الى ثكنة الجيش ورمونا بالمدرسة بدون أغطية، ولكن كان معنا شيء قليل من اللحف والفرشات. ثم جاء الأكل والخبز والأغطية. من هنا بدنا نعرف أن ماجرى متفق عليه، وبعدها أصبحت الوكالة تُحضر الإعاشات.
الحياة ببعلبك كانت صعبة ليس معنا نقود ولا أكل، كانوا يحضروا الخبز مليء بالشعر لا يُؤكل والأكل نصفه حجارة.ثم صرنا نحن نخبز و نعجن ونطبخ.
فصارت الناس مضطرة للعمل لتأخذ النقود، ثم في الشتاء صار الناس تذهب الى الحلشية مقابل 3 ليرات.
كنا أنا وأهلي مقيمين بدار واحدة، وكل 6 عائلات مقيمين بقاووش واحد.
بعد كل هذه السنين، أراها وأشعر وكأني أعيش فيها، وعندي أمل أنه باستطاعتي الذهاب الى سحماتا مشياً على الاقدام.
«لو صحّ لي الذهاب الى سحماتا، سأذهب ماشية، أنا أعرف الطريق إليها من الناقورة».