أنا محمد محمود ربيع مواليد 1933، طلعت من صفد ابن 13 سنة.
كنا جيران مع اليهود، ولم يكن بيننا خلاف، لا نتدخل في شؤونهم ولا يتدخلون هم في امور حياتنا، ولكن الإنجليز هم من حرّك الخلاف بيننا، فقامت الثورة عام 1936.
سنة 1936، ثارت الناس ضد الإنجليز لتعيش بسلام دون تدخُّل... لم يكن عندنا بصفد ثوار..
صفد هي مدينة، فيها مسيحية ويهود وفلسطينيون مسلمين، وكنا متعاونين مع بعضنا.
من عائلات صفد، بيت الرفاعي، الشاعر، طافش، سرحان، بيت العبود، المناصرة، الحاج قاسم وقدورة...
كان عندنا حارات، حارة الجورة، حارة الوسط، حارة الجامع الأحمر، حارة السوق، حارة الشارع، حارة الزاوية، حارة اليهود، وحارة المسيحية.
كان في مدرسة بصفد، وكانت الى المرحلة الثانوية، أذكر الأستاذ عزيز من الاستاذة الذين علموني.
هناك جوامع عدة في صفد، وفي كل حارة أو حارتين يوجد جامع، والمسيحيون كان عندهم كنيسة. 3 جوامع لها مآذِن، جامع السوق، جامع حارة الجورة، والجامع الأحمر. الشيخ المؤذِّن كان عمي الحاج أحمد ياسين ربيع، والخطيب إسمه الشيخ ابراهيم.
كان بصفد بلدية ومسؤولها أحمد طافش (أبو سعيد). ومن وجهاء صفد، كل عائلة كان لها وجيه.
من عملتنا التعريفة والقرش والليرة الفلسطينية.
هناك شجر فاكهة وهناك أراضي للفلاحة مثل الفول والحمص والخضار. أمّا من عنده ماء يزرع شجر الفاكهة والخضار.
كان ابن عمتي أحمد شحاده عثمان صاحب حسبة (خضار) وأحمد سعيد عطوة له حسبة ثانية، يبيعون بالسوق الخضار. كان في سوق كبير، مقسم الى قسم للخضار، وقسم للحمة، وقسم للقماش.
كان في صفد أطباء مثل الطبيب سليم عز الدين، وطبيب أرمني وآخر يهودي، وكان في مستشفى (مستشفى صفد)، والمسؤولين عنها هم بنات مسيحيات.
والحلاق في حارتنا واحد إسمه محمد، وآخر إسمه سعيد، وكل واحد تجارة وآخر اسمه أمين درويش، والحلاق كان يعمل بالأسنان.
في الأعراس: عندما يتم عرس كبير وجيد، كان اليهود والمسيحيين في صفد يشاركون بالفرح (تتُم دعوتهم). في العرس يتم طبخ الكل، وكان أهل العريس يدعون أهل المنطقة، ومن كان عنده طرش كان يحضر معه كهدية ويتم ذبحها، ومن عندهم سمنة بقر وغنم يحضرون هدية، يعني الكل يحضر هدايا.
أنا طلعت خارج صفد، ذهبت الى الظاهرية وهي قريبة من صفد، عكبرة، الجاعونة، عين الزيتونة، طيطبا، أويتا، والصفصاف. المناطق القريبة كنت أذهب إليها مشيا على الأقدام. لم أزر عكا وحيفا، والناس طلعت تزور عكا بالباص.
وبنكبة 1948، كذلك الإنجليز هم رأس الفتنة، فكانت تريد فلسطين لليهود... كان الإنجليز يجلبون واحد يهودي ويقتلونه ويرمونه عندنا، وكذلك الأمر بالنسبة للفلسطينيين يقتلونه ويرمونه عند اليهود، وذلك لإحداث الفتنة بيننا، حتى حدثت فعلاً الفتنة والحرب والنكبة. وفي أوقات معينة كان اليهود يلبسون شراويل مثلنا.
بسبب الفتنة الكبيرة بيننا وبين اليهود، والكراهية التي حصلت، خرجت الناس من صفد، أنا طلعت مع أهلي على البساتين، وبقينا 5 أشهر، ثم جرى تحضير الجيش اليهودي بمساعدة الإنجليزي، وتم مهاجمة القرى، وثم خرجنا الى لبنان، الى بنت جبيل، ويارون، وبقينا هناك وعانينا من الحاجة الى الشرب والأكل والمسكن، ثم جائت هيئة الأمم المتحدة وأخذتنا الى صور والى البقاع، ومنهم من ذهب الى سوريا والى الأردن.
نحن جئنا الى صور وبقينا 3 أشهر ثم نقلونا الى عنجر (3 اشهر)، ولكن بعنجر كانت الحياة صعبة بالثلج وفي الشتاء، ثم نقلونا الى نهر البارد.
وزعوا علينا شوادر، وأنا تزوجت بشادر بنهر البارد.. الحياة كانت صعبة بالبرد، كان الشادر يطير... والبرد كان قارص...
ما في أغلى من بلدي... وللأسف الأجيال القادمة لا تعرف شيء عن فلسطين والقرى... واليهود تتأمل أن يتم نسيانها...