"كل أو معظم دار عرفات بتجاره الأقمشة وما تجاوزناها". كان نجيب عرفات، الذي قال هذه الكلمات، يفتخر، ولا شك، بإستمرار تقاليد التجارة في عائلته ومدينته، كإفتخاره بهذا العمل الذي لم يزل يزاوله منذ صباه. إن تأكيد رسوخ الجذور وإثبات الهوية عنصران رئيسيان في الشعور الوطني الفلسطيني، في القرن العشرين، ولا سيما بين أفراد التجار التي كانت راسخة الأصول في التجارةـ، والتي كانت على قدر من اليسر والنجاح في عهد العثمانيين، أي قبل التطورات المأساوية خلال فترة الإنتداب وما بعدها. والواقع أن آل عرفات عائلة كبيرة، وأن بعض أفرادها عمل خلال القرن التاسع عشر في صناعة الصابون أو إحترف بعض المهن. وفي نهاية ذلك القرن، كان بعض الرجال من آل عرفات أول من إنضم، في نابلس، إلى صفوف طبقة وسطى من المهنيين وبدأت تبرز في سورية الكبرى. ومع ذلك، وحتى قياساً بالعائلات التي أنجبت تجار أقمشة جيلاً بعد جيل – مثل آل الصدر، ودرويش – أحمد، وزكر، والفتياني، وزعيتر، ودروزة، وغانم، والعنبتاوي، والبلبيسي، وغيرهما – يمكن القول ان آل عرفات حافظوا على إستمرارية ملحوظة في الإشتغال بهذه المهنة.
كان عبد الرزاق عرفات ( ت 1810) الذي تحدثنا عنه في بداية هذا الفصل، تاجر أقمشة، وكذلك كان إخوته الثلاثة. ويكاد هاذا التركيز على تجارة الأقمشة يعني، على وجه التأكيدـ أن والدهم كان تاجر امشة أيضاً، نظراً إلى كون مهنة الفرد، عادة ، عملاً يتوارثه الأبناء عن الآباء. وفي أرجح الظن أن الإرتباط بالأقمشة يعود إلى زمن أقدم لأن إبن عم والدهم، الشيخ سليمان الشاهد، أتجر بالأقمشة وكان له متجر في خان التجار. ولئن إفترضنا أن مشابهه عمله لعملهم لم تكن مصادفة، صحٍّ لنا أن نستنتج أن تجربة آل عرفات في هذا الحقل كانت تعود، على الأقل إلى جد عبد الرزاق الأكبر، أحمد الشاهد الذي إمتدت حياته من أواخر القرن السابع عشر إلى اوائل القرن الثامن عشر.
حافظت ذرية عبد الرزاق وإخوته على هذا الإرتباط إلى يومنا هذا. وتظهر تركة السيد سعيد عرفات (ت 1847)، حفيد عبد الرزاق انه كان تاجر أقمشة إنسجاماً مع تقاليد العائلة. وفي أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كان كمال الدين عرفات، إبن حفيد عبد الرزاق(وأيضاُ عضو مجلس بلدية نابلس سابقاً، ورئيسها مرتين (1912 – 1915) تاجر أقمشة أيضاً. ومن معاصرية عبدالله عرفات، إبن حفيد شقيق عبد الرزاق، الشيخ عبد الغني عرفات (ت 1823)، الذي كان له متجر في الطرف الشرقي من خان التجار. وقد خلفه إبناه، الشيخ صادق وفوزي، ومثلهما جفيده عدلي عرفات.
ترأست ذرية محمد عرفات، وهو أخ آخر من إخوة عبد الرزاق، الفرع الأقوى في سلالة تجار الأقمشة من آل عرفات. وإبن حفيدهـ الحاج إسماعيل عرفات، هو الذي تلقى الرسالة، المستشهد بها آنفاً، من قرية جبع. وقد أصبح ستة من أبناء الحاج إسماعيل السبعة تجار أقمشة، وزاولوا مهنتهم في متجرين كبيرين كانا يقعان في الوكالة الفروخية. وحتى سنة 1960 كان توفيق عرفات، حفيد ابن حفيد محمد عرفات، تاجر الأقمشة الأكبر في نابلس. وإستناداً إلى سبأ عرفات، حفيدة الحاج إسماعيل، فإن ذريته لا تزال من كبار المالكين في خان التجار.