هوية – الأردن
15/1/2022
أكرم البيروتي، ابن المختار إبراهيم البيروتي أحمد أبو حلاوة، وهو أحد مخاتير بلدة عقربا البالغ عددهم في ذلك الوقت ثلاثة مخاتير تلقّى خبراً من قريبه محمد محمود سعادة (أبو سامر العقرباوي ) مفاده أن فريق عمل (هوية) في الأردن يمتلك وثائق تخص والده المختار ويسعون لزيارته وتسليمه هذه الوثائق فلم يصبر أكثر من دقائق قليلة حتى بادر بالاتصال لترتيب موعد لاستقبال فريق ( هوية ) ومن معهم .
قام السيدان ماجد الجمل وأكرم أبو شهاب من فريق هوية بزيارة السيد البيروتي في منزله بحضور السيد محمد سعادة، وخلال التعارف لم يملك الرجل الذي شارف على الثمانين من العمر (أكرم البيروتي) أن يخفي حماسته وشوقه لمعرفة المزيد عن والده من خلال تلك الوثيقة الموضوعة في البرواز الخشبي الذي يحمله الزائرون.
بعد المقدمات قدموا له الوثيقة الهدية، وهي عبارة عن تذكرة هوية لإبراهيم البيروتي، صادرة عام 1941 وعليها صورته بلباس الشرطة وهو في الثلاثين من العمر تقريباً. تلقّى الرجل الوثيقة وكاد يحضنها من شدة فرحه، فهو لم يسبق أن رأى صورةً لوالده وهو في سن الشباب، وازدادت لهفته وحماسته عندما اطلع على بقية الوثائق، وهي عبارة عن شهادة الجنسية الفلسطينية التي كان قد استخرجها الوالد عام 1946 كمقدمة للحصول على جواز سفر فلسطيني بغية السفر إلى دمشق لأمر عاجل.
أنعشت هذه الأوراق ذاكرة الأستاذ أكرم البيروتي، أو (رسمي البيروتي) كما هو مثبت في الأوراق الرسمية، فاسترسل في الحديث عن والده ابن العائلة العريقة في عقربا ومحيطها، فالمجاهد عبد الله البيروتي الذي عُرف كأحد أبرز قيادات ثورة 1936 هو عمه الأكبر أخو والده إبراهيم البيروتي.
ويتحدث السيد أكرم (ابو إبراهيم) عن أصل تسمية العائلة، وهو يعود إلى الجد أحمد أبو الحلاوة الذي كان عسكرياً في زمن الأتراك ويخدم في مدينة بيروت، ويزور قريته عقربا بين الحين والأخر، وعندما علم أن زوجته قد وضعت مولوداً ذكراً أسماه (البيروتي) لتعلقه بمدينة بيروت. كبر البيروتي وتزوج وأنجب سبعة من الذكور هم ، القائد عبد الله البيروتي، وموسى البيروتي، واحمد البيروتي، وإبراهيم البيروتي، وحافظ البيروتي، ومحمد البيروتي، ونايف البيروتي الذين حملوا لاحقاً لقب البيروتي نسبةً لاسم أبيهم.
إبراهيم الذي كبر وعمل في البوليس هو وصديقه محمود الحلو أبو هلال وكانا يعملان في الجيش البريطاني آنذاك، كان الإنجليز يطلب منهما أحياناً مرافقتهم لإجراء المداهمات في بعض القرى حين ورود الأخبار عن وجود المطاردين أو الثوار او السلاح وكانا في كل مرة يعملان على تنبيه الأهالي. ويوماً أُبلغ البيروتي بنيّة الإنجليز مداهمة قرية جينصافوت التي كان قد جاءها عدد كبير من الثوار وأعدّ لهم الوجهاء والأهالي طعام الغداء، فأرسل لهم البيروتي الخبر فغادر الثوّار مسرعين وتم إخفاء السلاح، ورتّب الوجهاء في ساعتها زواجاً عاجلاً لشاب وصبية من القرية، وكان تمويهاً ناجحاً أقنع الإنجليز بأن الاجتماع على الغداء لم يكن للثوار بل لحفل الزفاف.
كثيرة هي القصص والحكايا التي سمعها فريق هوية من السيد أكرم عن والده سواء عندما كان داخل فلسطين قبل النكبة أو بعدها، فقد أصبح إبراهيم البيروتي أحد مخاتير قريته وواحداً من وجوهها البارزين ولم يملك إلا أن يغادر الأراضي المحتلة بعد عام 1967 بعد تعرضه لكثير من الضغوطات من سلطات الاحتلال ليكون عيناً من عيون الاحتلال على أبناء بلدته وأبناء شعبه إلا انه رفض رفضاً قاطعاً وغادر بلدته عقربا متوجها إلى شرق الأردن حيث بقي هناك حتى توفاه الله عام ١٩٨٤ في عمان .
اختتم اللقاء بعبارات تختصر سيرة المختار إبراهيم البيروتي: "كان رجلاً شهما مهيباً خدم أبناء محافظة نابلس كمختار خدمة مجانية بل كان يدفع من جيبه أحيانا لعفة نفسه وطهارة يده". وخرج فريق هوية من منزل أكرم البيروتي وقد ترك فيه وثيقةً تاريخية مهمّة للعائلة، وترك فرحاً غامراً لأهل البيت الذين وجدوا في هذه الزيارة إحياء لذاكرة وطنية لا يملك الاحتلال أن يمحوها حتى ولو فارق أصحابها الحياة.