قضية الخان الأحمر هي جوزة القدس المنيعة أمام مخطط الاحتلال لإقامة عاصمته الكبرى والموحدة وسط نقاء يهودي يخلو من أي وجود عربي في حدود شرقي القدس وطريقها الممتد نحو الأغوار.
ما يجري من تهويد أراضي الخان الأحمر قرب القدس يتعدى حدود الاستيطان والتهجير؛ فهو بوابة القدس التي يحاول الاحتلال حسم تهويدها بالكامل حتى حدود الأغوار الملاصقة للبحر الميت.
مرت قضية الخان الأحمر التي يسكن أرضه أكثر من 200 نسمة فوق 100 دونم بعدة مراحل في الصراع مع الاحتلال منذ نكبة فلسطين عام 1948م، والآن يسعى الاحتلال لإنهاء قضيته بالكامل.
وطلبت حكومة الاحتلال قبل أيام تمديد المهلة التي منحتها إياها المحكمة "الإسرائيلية" العليا، لتقديم إجابات حول مخطط هدم وتهجير أهالي قرية الخان الأحمر الفلسطينية الواقعة في مناطق "ج" شرق مدينة القدس المحتلة.
وتخشى خارجية الاحتلال "الإسرائيلي" من صعوبة إخلاء الخان الأحمر، لما قد يوقع عليها أضرار جسيمة على الصعيد الدبلوماسي وعلاقات "إسرائيل" الخارجية، علما بأن البيت الأبيض والاتحاد الأوروبي، طالبا "إسرائيل" بتعليق تهجير الخان الأحمر.
والخان الأحمر قرية بدوية تقع على مسافة 15 كيلومترًا إلى الشرق من مدينة القدس، بالقرب من الشارع السريع رقم 1 المؤدي إلى أريحا، إلى الشرق من مستوطنة "معاليه أدوميم"، داخل منطقة نفوذ المنطقة الصناعية "ميشور أدوميم".
وتبلغ مساحة هذه القرية 40 دونمًا، يعيش فيها 200 شخص يتوزعون على 45 عائلة، أغلبهم من عرب الجهالين.
حلقة صراع
لا تكفي الجهود الدبلوماسية والقضائية على الصعيد المحلي والدولي لإنقاذ الخان الأحمر من مخطط تهويد الاحتلال الذي يشتري الوقت ويناور لطرد وتهجير سكانه بعد أن حرمهم من البناء أو العمل في الأراضي "الإسرائيلية" كافّة.
وتصنّف "إسرائيل" الأراضي المقام عليها التجمع البدوي "أراضي دولة"، وتزعم أنها أقيمت "دون ترخيص"، وهو ما ينفيه قرابة 200 فلسطيني من عشيرة الجهالين يسكنون الخان منذ أوائل الخمسينيات، بعد أن هجرتهم "إسرائيل" من النقب عام 1948م.
ويقول جمال عمرو الخبير في شئون القدس والاستيطان: إن ملف الخان الأحمر من ملفات قضية القدس الثقيلة التي تحتاج مؤسسات دولة للدفاع عنها وسط محاولات الاحتلال تهجير أهله للمرة الثانية.
ويضيف لـ"المركز الفلسطيني للإعلام": "مخطط تهجير وهدم حياة أهالي الخان الأحمر يعزز تمدد مستوطنات طوق القدس المحتلة لعزل المدينة بالكامل عن أي وجود وحياة عربية فيها".
ومنذ 2009 حاولت سلطات الاحتلال إخلاء سكان الخان الأحمر وهدم القرية بدعوى عدم وجود تراخيص قانونية للبناء، ولكن السكان عارضوا بشدة، وتصدوا لجرافات الاحتلال بصدورهم.
تفريغ وتهجير
وقبل أيام أجل الاحتلال البتّ في قضية الخان الأحمر إلى السادس من إبريل القادم بعد سبع جلسات للمحكمة الإسرائيلية العليا التي لم تقرر بعد مصير أهله النهائي.
وكانت المحكمة العليا "الإسرائيلية"، أصدرت في أيلول 2018، قرارا نهائيا بهدم وإخلاء الخان الأحمر، بعد رفض التماس قدمه سكان الخان ضد إجلائهم وهدم تجمعهم، المقام في خيام وحجرات من الصفيح.
وتزعم حكومة الاحتلال "الإسرائيلي" السابقة، أنها قررت هدم الخان، إلى حين التوصل لحلٍّ مع السكان؛ لكنها ماضية في تمرير قرار الهدم والطرد رغم تحذيرات المجتمع الدولي، من تنفيذ قرار الإخلاء.
ويؤكد عيد أبو داهوك، رئيس مجلس أهالي الخان الأحمر، أن المخطط "الإسرائيلي" يقضي بتفريغ وتهجير كامل السكان والأرض، وإزاحة أهل الخان الأحمر للمناطق الخاضعة للسلطة الفلسطينية "A" ليكونوا لاحقاً من سكان الأغوار أو بلدة العيزرية.
ويتابع لـ"المركز الفلسطيني للإعلام" "بدأت القضية في ساحة المحاكم عام 1990م ولم تنته حتى الآن، هناك محكمة مرفوعة بالقضية في الجنائية الدولية ومواقف من الاتحاد الأوروبي ودول أخرى لكنها لم تصل جميعاً لحل".
القدس الكبرى
ترفع "إسرائيل" منذ نكبة فلسطين عام 1948م شعار إقامة القدس الموحدة الكبرى في مخطط مستمر لتهويد شطري المدينة، وتغليب الوجود اليهودي على سكانها الفلسطينيين الذين يجرى طردهم من المدينة باستمرار منذ النكبة.
حسم قضية الخان الأحمر معناه تواصل كل من مستوطنات "معاليه أدوميم وكفار أدوميم" ومستوطنات مجاورة دون وجود عربي في الطريق حتى البحر الميت، ولا يقف في طريق هذه الخطة سوى سكان وأراضي الخان الأحمر.
ويشير الخبير عمرو، أن منطقة الخان الأحمر تعد بوابة شرقي القدس في الطريق التاريخي الواصل من القدس إلى أريحا ثم عمّان وصولاً إلى مكّة المكرمة.
ويتابع: "تهويد الخان معناه حسم الصراع الديمغرافي جنوب وشرق القدس بعد تهويد بواباتها الشمالية والشمالية، والمخطط يصبح فيه 88% من سكان القدس صهاينة مقابل 12% فلسطينيين".
ويرمي الاحتلال لترحيل سكان الخان إلى شمال أريحا ومنطقة أبو نعيمة بعد إقامة مستوطنة جديدة فوق الخان، وبذلك لن يبقى للفلسطيني وجود من القدس المحتلة حتى حدود البحر الميت.
تهويد الخان
ويؤكد عيد أبو داهوك، رئيس مجلس أهالي الخان الأحمر، أن هدف تهويد الخان هو تفريغ المنطقة من بلدات عناتا والعيزرية والسواحرة وأبو ديس حتى البحر الميت من أي وجود عربي وفلسطيني وبذلك يجري فصل الضفة لجزء شمالي وآخر جنوبي.
ويستخدم الاحتلال أدوات عدوان اقتصادية ضد أهالي الخان الأحمر؛ فيمنعهم من العمل في الداخل المحتل، ويبقيهم في حالة من الفقر، في حين لم توظف السلطة الفلسطينية منهم أحدًا لتعزيز صمودهم.
ولم تُجدِ حتى الآن الأدوات الدبلوماسية والقانونية في إنصاف أهالي الخان الأحمر، الذي يجعل منه صاعق تفجير متجدد في صراع الاحتلال على المدينة المقدسة.
المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام