أصل التسمية :
قد يرى بعض الناس أن ذلك المدلول قريب من البيئة حيث إنه يوجد نهير موسمي صغير يمر قريباً من زرنوقا، لكن هذا النهير يمر بقرى أخرى عديدة، ويحمل اسماً واضحاً وهو نهر روبين، فلا أدري ما وجه تخصيص هذه البقعة بهذه التسمية إذا اشتركت في مفهومها بقاع أخرى ؟!!.
ولدى البحث الأسهل الذي استخدمه بعض المعاصرين في شرح أسباب التسمية بالرجوع إلى أصول الاشتقاق اللغوي المباشر نجد في البحث المعجمي العربي عدة معانٍ لكلمة " زرنوق " بدون التاء المربوطة فنقف على هذه المعاني :
والزرنوقان حسب شرح القاموس واحدها زرنوق وهو النهر الصغير، أو هما حائطان أو عودان على جانبي بئر، فتوضع عليهما خشبة تعلق بها بكرة يُسقى بواسطتها؛ وبعضهم يجعل لهذه الكلمة أصلاً آرامياً أو سريانياً ويزعم أن هذه الكلمة مقتبسة من الآرامية أو السريانية لأن كلمة زارنوكو zarnouqo تعني الدلو.
والكلمة "زرنوق" تدل على مدلولات زراعية تختص بالآبار إذ الزرنوقان منارتان توضعان على جانبي البئر توضع بينهما خشبة يتدلى منها دلو أو ظرف ماء متصل ببكرة ، كما بيّنا أعلاه، مما يعني أن إطلاق هذا الوصف على بقعة ما يتطلب أن تكون البقعة مميزة برزنوق كبير على بئر كبيرة تنفرد به هذه البقعة عن جيرانها، أو تتطلب كثرةً في هذه الزرانيق لكثرة الآبار فيها.
وقد يتفق هذا الأمر مع كون "زرنوقة" كثيرة الآبار غنية بمياهها الجوفية وإن كانت لا تتمتع بالعيون ، ولكن مَن سألناهم مِن بعض مَن تبقى من أصحاب أراضي "زرنوقا" لا يتذكرون وجود هذه الدعامات الخشبية أو الحوائط المنصوبة على جانبي البئر وإنما يتحدثون عن آلات تضخ الماء وتعمل بالوقود، وإن لم أجد أحداً نفى وجود هذه الدعامات لاسيما في البيارات التي يملكها صغار أصحاب الأملاك أو الورثة الفقراء أو العاملين بالمغارسة أو الأجرة المقطوعة، وأفترض أن هذه الدعامات إن كانت كثيرة حقاً فلابد أن يبقى لها أثر، لذلك قد يكون هذا التفسير محتملاً في أصل التسمية إذا أخذنا بعين الاعتبار انعدام الحديث عن هذه البقعة في المصادر أو المراجع التاريخية القريبة، أو ربما تطور مدلول الكلمة لتشمل بالإضافة إلى دعامات الآبار والأنهار الصغيرة أو الجداول كل ما هو ممر صغير أو طرقات ثم أُطلق الجزء على الكل، واشتهراستخدامها بعد ذلك، وتُرك أصل المدلول؛ إذ طبيعة كلمات اللغة العربية تتطور مدلولاتها بتطور طبيعة معيشة الإنسان، ولكن هذا الادعاء عندنا لا دليل عليه حتى الآن .
وايضاً ربما يكون هناك انعكاس للبيئة الجغرافية على التسمية.
ولدى النظر في طبيعة الهجرات العربية إلى فلسطين ومصر وبلاد الشام وشمال إفريقيا نجد أن القبائل العربية اليمنية كانت مادة هذه الهجرات؛ فهل يمكن أن يكون اسم هذه القرية متصلاً بعلاقة ما مع إحدى القبائل اليمنية المهاجرة ؟
هذا الافتراض كان مغرياً جداً مع وجود معطىً تاريخي يستند إلى تاريخ هجرة القبائل اليمنية، واستيطان مجموعات بشرية يمنية في بلاد الشام ومصر أو مرورها بها قديماً خلال حركة الفتوح العربية الإسلامية الأولى وخلال العصور الإسلامية المتعاقبة على المنطقة ؛ فنجد أن ثمة قبيلة يمنية تسمى " الزرانقة" وهذا اللفظ عينه نسمعه كثيراً عند الحديث عن أهل قرية زرنوقة حيث تجمع كلمة "الزرنوقي" المنتسب إلى هذه القرية على "زرانقة" ؛ و"زرنوقي" و"زرانقة" كلمتان معروفتان في هذه القبيلة اليمنية التي لا تزال موجودة في اليمن وجنوبي المملكة العربية السعودية،
ويغلب على ظني أن قرية زرنوقة - بوصفها مستوطنة زراعية بشرية منظمة - نشأت خلال حقبة متقدمة من الحكم العثماني لفلسطين، وأن هذه التسمية مرتبطة بمجموعات يمنية أو شخصية إدارية لها حضورها تنتمي إلى هذه القبيلة التي سكنت في تلك البقعة لغرض الحراسة والحماية أو الزراعة أو أمور تحتاجها الإدارة المحلية في تصريف إدارة الريف الفلسطيني حيث تكثر البساتين والمزارع المنتجة في تلك السهول الخصبة حول الرملة . وليس لدينا مستند تاريخي نوثق به هذا الرأي كوثيقة تاريخية أو إشارة لحركة هجرة يمنية إلى تلك المنطقة ... وإنما هي مُقارَبة يطمئن القلب لها أكثر من غيرها، وليس فيها ما يفيد الجزم والتحقيق.
وأما اليهود فلديهم أسطورة تتعلق بهذا المكان ويرجعون سبب تسميتها إلى الحاخام "هِيا بار زرنوكا" حيث تروي الأسطورة اليهودية أنه بالقرب من مستوطنة رحوبوت على الطريق إلى مستعمرة جيدرا (gederah) المقامة عليها أراضي قرية زرنوقا العربية ، والتي من المحتمل أن تكو"ن مدينة شيخرون (shikkeron) اليهودية التي تعود إلى قبيلة جوداه (jodah) المذكورة في التلمود، حيث قدم إليها الحاخام المدرس هيا بار زرنوكا (rabbi hiyya bar zarnuka).
وعند سؤالنا كبار أهل القرية ممن عاشوا فيها شطرا من حياتهم قبل النكبة عن سبب تسمية قريتهم "زرنوقا" بهذا الاسم تضطرب حكايتهم الشفوية التي سمعوها من آبائهم وأجدادهم ولكنهم يجمعون أن كلمة "زرنوقا" مركبة من كلمتين "زار – ناقة" أي زيارة الناقة، ثم يختلفون أو ينسون تفاصيل الحكاية .
وينقل المؤرخون لتاريخ الأسطورة اليهودية الرواية العربية الشفوية لهذه التسمية مما يتفق في بعض تفاصيله مع بعض الحكايات التي سمعناها من أفواه أهل زرنوقا عن سبب التسمية، يقولون:
كان لهذه القرية قديما اسم قديم غير معروف ولا يذكره الناس الآن، وقد حدثت على هذه الأرض معركة بين المسلمين والكفار ( دون تحديد من هم، فهل هم الصليبيون مثلاً؟)، وتمكن أحد الكفار من قتل قائد المسلمين في المعركة والذي كان يركب ناقته، ويزعم بعضهم أن هذا القائد القتيل هو الحسين بن علي – وهذا خطأ محض لا يقوله إلا جاهل أو مهووس – ولكن جثته اختفت، وزاد من قوة هذه الحكاية الشعبية أنه يوجد في مكان قريب في عسقلان مشهد مشهور مزعوم كان يزوره الناس قديما في الحقبة الفاطمية والمملوكية وما بعدها لرأس الحسين؛ وتكمل الحكاية الشعبية القصة:
فرت الناقة المرعوبة المضطربة من أرض المعركة إلى الوديان القريبة بعد مقتل قائدها وداست على جسده أثناء فرارها، ولم يستطع أحد الإمساك بها، وبعد مدة عادت هذه الناقة إلى المكان الذي قتل فيه صاحبها القائد الشهيد، و كان أهل القرية قد دفنوه في بقعة في قرية زرنوقا حيث يوجد فيها وقف الحسنين أو أرض الحسين، وقد عجب الناس لوفاء هذه الناقة وحبها لصاحبها وعودتها إلى صاحبها الميت لزيارته فسموا المكان "زار الناقة وقد تعرض الاسم المركب هذا للتبدلات الصوتية التي أصيبت أعلام الأماكن والأشخاص حتى صار اسمها "زرنوقا".
المصدر: الدكتور اسامة الاشقر
كتاب: زرنوقة جنة الليمون والبرتقال
بتصرف